فصل: انتقاض خراسان ومسير المهدي إليها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.حبس عبد الله بن علي.

كان عبد الله بن علي بعد هزيمته أمام أبي مسلم لحق بالبصرة ونزل على أخيه سليمان ثم إن المنصور عزل سليمان سنة تسع وثلاثين فاختفى عبد الله وأصحابه فكتب المنصور إلى سليمان وأخيه عيسى بأمان عبد الله وقواده ومواليه وإشخاصهم إلى المنصور منهما فشخصوا ولما قدما عليه فأذن لهما فأعلماه بحضور عبد الله واستأذناه له فشغلهما بالحديث وأمر بحبسه في مكان قد هيئ له في القصر فلما خرج سليمان وعيسى لم يجدا عبد الله فعلما أنه قد حبس وأن ذمتهما قد أخفرت فرجعا إلى المنصور فحبسا عنه وتوزع أصحاب عبد الله بين الحبس والقتل وبعث ببعضهم إلى أبي داود خالد ابن إبراهيم بخراسان فقتلهم بها ولم يزل عبد الله محبوسا حتى عهد المنصور إلى المهدي سنة تسع وأربعين وأمر موسى بن عيسى فجعله بعد المهدي ودفع إليه عبد الله وأمره بقتله وخرج حاجا وسار عيسى كاتبه يونس بن فروة في قتل عبد الله بن علي فقال: لا تفعل فإنه يقتلك به وإن طلبه منك فلا ترده إليه سرا فلما قفل المنصور من الحج دس على أعمامه من يحرضهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله فشفعهم وقال لعيسى جئنا به فقال: قتلته كا أمرتني فأنكر المنصور وقال خذوه بأخيكم فخرجوا به ليقتلوه حتى اجتمع الناس واشتهر الأمر فجاء به وقال: هو ذا حي سوي فجعله المنصور في بيت أساسه ملح وأجرى عليه الماء فسقط ومات.

.وقعة الراوندية.

كان هؤلاء القوم من أهل خراسان ومن أتباع أبي مسلم يقولون بالتناسخ والحلول وأن روح آدم في عثمان بن نهيك وأن الله حل في المنصور وجبريل في الهيثم بن معاوية فحبس المنصور نحوا من مائتين منهم فغضب الباقون واجتمعوا وحملوا بينهم نعشا كأنهم في جنازة وجاؤا إلى السجن فرموا بالنعش وأخرجوا أصحابهم وحملوا على الناس في ستمائة رجل وقصدوا قصر المنصور وخرج المنصور من القصر ما شيا وجاء معن بن زائدة الشيباني وكان مستخفيا من المنصور لقتاله مع ابن هبيرة وقد اشتد طلب المنصور له فحضر عنده هذا اليوم متلثما وترجل وأبلى ثم جاء إلى المنصور ولجام بغلته في يد الربيع حاجبه وقال: تنح ذا أنا أحق بهذا اللجام في هذا الوقت وأعظم فنازل وقاتل حتى ظفر بالراوندية ثم سأله فانتسب فأمنه واصطنعه وجاء أبو نصر مالك بن الهيثم ووقف على باب المنصور وقال أنا اليوم بواب ثم قاتلهم أهل السوق وفتح باب المدينة ودخل الناس وحمل عليهم خازم بن خزيمة والهيثم بن شعبة حتى قتلوهم عن آخرهم وأصاب عثمان بن نهيك في الحومة سهم فمات منه بعد أيام وجعل على الحبس بعده أخاه عيسى ثم بعده أبا العباس الطوسي وذلك كله بالهاشمية ثم أحضر معنا ورفع منزلته وأثنى عليه بما كان منه في ذلك اليوم مع عمه عيسى فقال معن: والله يا أمير المؤمنين لقد جئت إلى الحومة وجلا حتى رأيت شدتك فحملني ذلك على ما رأيت مني وقيل إنه كان مختفيا عند أبي الخصيب حاجب المنصور وأنه جاء يوم الراوندية فاستأذن أبو الخصيب وشاوره المنصور في أمرهم فأشار ببث المال في الناس وأبى المنصور إلا الركوب إليهم بنفسه فخرج بين يديه وأبلى حتى قتلوا ثم تغيب فاستدناه وأمنه وولاه على اليمن.

.انتقاض خراسان ومسير المهدي إليها.

كان السفاح قد ولى على خراسان أبا داود خالد بن إبراهيم الدهلي بعد انتقاض بسام ابن إبراهيم ومهلكه فلما كان سنة أربعين ثار به بعض الجند وهو بكشماهن وجاؤا إلى منزله فاشرف عليهم ليلا من السطح فزلت قدمه فسقط ومات ليومه وكان عصام صاحب شرطته فقام بالأمر بعده ثم ولى المنصور على خراسان عبد الجبار بن عبد الرحمن فقدم عليها وحبس جماعة من القواد اتهمهم بالدعاء للعلوية منهم مجاشع ابن حريث الأنصاري عامل بخاري وأبو المعرة خالد بن كثير مولى بني تميم عامل قهستان والحريش بن الذهلي ابن عم أبي داود في آخرين ثم قتل هؤلاء وألح على عمال أبي داود في استخراج المال وانتهت الشكوى إلى المنصور بذلك فقال لأبي أيوب: إنما يريد بفناء شيعتنا الخلع فأشار عليه أبو أيوب أن تبعث من جنود خراسان لغزو الروم فإذا فارقوه بعثت إليه من شئت واستكمن منه فكتب إليه بذلك فأجاب بأن الترك قد جاشت وإن فرقت الجنود خشيت على خراسان فقال له أبو أيوب: أكتب إليه بأنك ممده بالجيوش وابعث معها من شئت يستمكن منه فأجاب عبد الجبار بأن خراسان مغلبة في عامها ولا تحتمل زيادة العسكر فقال له أبو يوسف هذا خلع فعاجله فبعث ابنه المهدي فسار ونزل الري وقدم خازم بن خزيمة لحرب عبد الجبار فقاتلوه فانهزم وجاء إلى مقطنة وتوارى فيها فعبر إليه المحشد بن مزاحم من أهل مرو الروذ وجاء به إلى خازم فحمله على بعير وعليه جبة صوف ووجهه إلى عجز البعير وحمله إلى المنصور في ولده وأصحابه فبسط إليهم العذاب حتى استخرج الأموال ثم قطع يديه ورجليه وقتله وذلك سنة اثنتين وأربعين وبعث بولده إلى دهلك فعزلهم بها وأقام المهدي بخراسان حتى رجع إلى العراق سنة تسع وأربعين.
وفي سنة اثنتين وأربعين انتقض عيينة بن موسى بن كعب بالسند وكان عاملا عليها من بعد أبيه وكان أبوه يستخلف المسيب بن زهير على الشرط فخشى المسيب إن حضر عيينة عند المنصور أن يوليه على الشرط فحذره المنصور وحرضه على الخلاف فخلع الطاعة وسار المنصور إلى البصرة وسرح من هنالك عمر بن حفص بن أبي صفوة العتكي لحرب عيينة وولاه على السند والهند فورد السند وغلب عليها وفي السنة انتفض الأصبهبد بطبرستان وقتل من كان في أرضه من المسلمين فبعث المنصور مولاه أبا الخطيب وخازم بن خزيمة وروح بن حاتم في العساكر فحاصروه في مدة ثم تحيلوا ففتح لهم الحصن من داخله وقتلوا المقاتلة وسبى الذرية وكان مع الإصبهبد سم فشربه فمات.